المجلس الإسلامي للإفتاء-الداخل الفلسطيني 48
الرئيسية
بنك الفتاوى
الأسئلة والأجوبة
سؤال جديد
من نحن
اتصل بنا
ابحث في بنك الفتاوى
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
الأقسام
حديث اليوم
قال أحد الشعراء : « فلا وأبيك ما في العيش خير ...ولا الدنيا إذا ذهب الحياء... يعيش المرء ما استحيا بخير ...ويبقى العود ما بقي اللحاء »
فتوى اليوم
حكمة اليوم
عن أبي ذر رضي الله عنه أن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يُصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: ( أوليس الله جعل لكم ما تصدقون به إن لكم بكل تسبيحة صدقة , وكل تكبيرة صدقة , وكل تحميدة صدقة وكل تهليله صدقة , وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ,وفي بُضع أحدكم صدقة ) قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال:( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ).
حكمة اليوم
فيسبوك
تويتر
أيهما أفضل الذهاب لعمرة النافلة أم إعطاء المبلغ لولدي المحتاج؟
تاريخ: 7/1/12
عدد المشاهدات: 5703
رقم الفتوى: 98

بسم الله الرحمن الرحيم

الصدقة على الولد المحتاج حاجة حقيقية أولى من العمرة النافلة

 

يقول السائل: حججت حجة الفريضة، وأديت العمرة الواجبة ومعي مبلغ من المال أنوي الذهاب إلى عمرة الصيف وابني مقبل على الزواج وبحاجة إلى كل مبلغ، فأيهما أفضل من حيث الشرع الاعتمار أم إعطاء المبلغ لولدي المحتاج؟

الجواب :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد :

لا شك أن المتابعة بالحج والعمرة سنة مستحبة، ندب إليها الشارع الحكيم وحث عليها لما فيها من تكفير للذنوب والخطايا والتي لا يخلو منها أحد من البشر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ"{متفق عليه}.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ".{رواه أحمد والنسائي وابن ماجة والترمذي، وقال:" حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ"}.

وقد كرر السلف الصالح العمرة دون نكير، قال نافع: اعتمر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أعواما في عهد ابن الزبير، عمرتين في كل عام.

وقال القاسم: إن عائشة رضي الله عنها اعتمرت في سنة ثلاث مرات. فسئل: هل عاب ذلك عليها أحد؟ قال: سبحان الله، أم المؤمنين؟!

ولكن الأفضل للأخ السائل أن يهب المال الذي يريد أن يعتمر به العمرة التطوعية لابنه المشرف على الزواج، لما في الزواج من تحصيل العفة له وصده عن المنكرات ووساوس الشيطان. فالعمرة التطوعية منفعتها قاصرة على المعتمر، أما الصدقة على الابن المقبل على الزواج فمنفعتها متعدية، إذ يصون الأب ابنه من الزنا الذي يهتز له عرش الرحمن ويحفظ نسله من الدنس ويساند في فتح بيت وإنشاء أسرة تحمل شعلة التوحيد في عالم الفتن والمغريات والشهوات فضلا على أجر الصدقة والصلة الحاصل له.

ومن سعى في حاجة مسلم وستره تلفع بستر المولى عز وجل يوم تعرض الخلائق على الديان قال صلى الله عليه وسلم:"ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" {أخرجه البخاري}.

لا يخفى على أحد الغلاء العام الذي فشا وانتشر وأصاب كل سلعة، وأصبح من الصعب على الشاب أن يجهز نفسه بمفرده للزواج، فإعانة الشاب على الزواج هي ستر له وتفريج كربة من كربات الدنيا لا سيما مع ما نراه من فتن تعصف بالمجتمع عامة وبالشباب على وجه الخصوص. فتجهيز الشباب المسلم للزواج هي من أولويات المجتمع المسلم في هذه المرحلة الراهنة حتى نحصنهم ونقطع الطريق أمام شياطين الإنس والجن الذين ينشرون الرذيلة والفحش في كل ركن نزولوا فيه.

لقد أخذ الله تبارك وتعالى عهدا على ذاته أن يعين طالب العفاف بالنكاح، مما يدل على استحباب إعانة المقبلين على الزواج قال صلى الله عليه وسلم :"ثلاثة حق على الله عونهم الناكح الذي يريد العفاف والمكاتب الذي يريد الأداء - أي العبد الذي يريد أن يحرر رقبته ببذل مقدار من المال يكاتب عليه سيده - والغازي في سبيل الله"{ حسن. أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة والحاكم وأبو يعلى}.

جاء في فيض القدير(3/317):"( ثلاثة حق على الله عونهم:..... والناكح الذي يريد العفاف)، أي المتزوج بقصد عفة فرجه عن الزنا واللواط أو نحوهما وإنما آثر هذه الصيغة إيذانا بأن هذه الثلاثة من الأمور الشاقة التي تكدح الإنسان وتقصم ظهره لولا أنه يعان عليها لما قام بها. قال الطيبي:"وأصعبها العفاف لأنه قمع الشهوة الجبلية المذكورة في النفس وهي مقتضى البهيمية النازلة في أسفل سافلين فإذا استعف وتداركه عون إلهي ترقى إلى منزلة الملائكة في أعلى عليين". قال أحد العارفين:"إذا رأيت واحدا من هؤلاء فأعنه بطائفة من مال أو قال أو حال، فإنك إذا أعنتهم فأنت نائب الحق في عونهم، فإنه إذا كان عون هؤلاء حقا على الله فمن أعانهم فقد أدى عن الله ما أوجبه على نفسه فيتولى الله كرامته بنفسه، فما دام المجاهد مجاهدا بما أعنته عليه فأنت شريكه في الأجر ولا ينقصه شيء، وإذا ولد للناكح ولد صالح كان لك في ولده وعقبه أجر وأقر به عين محمد صلى الله عليه و سلم يوم القيامة وهو أعظم من عون المكاتب والمجاهد لما أن النكاح أفضل النوافل وأقربه نسبة للفضل الإلهي في إيجاده العالم وبعظم الأجر يعظم النسب".

 في الحقيقة إن إشباع المحتاج حاجة حقيقية أولى من حجة التطوع وعمرة النافلة؛ لأن كفاية المحتاج فرض كفاية على مجموع المسلمين، إذا لم يقم بهذه المسئولية أحد ولم تتحصل الكفاية لأهل العوز أثم المجموع، أما حجة وعمرة التطوع فهما نافلة، وعند التزاحم يقدم تحصيل فرض الكفاية على تحصيل النافلة، وأجر الساعي في تحقيق الفرض الكفائي أكبر من أجر الساعي في تحقيق نافلة؛ لأن الأجر يكثر ويقل بناء على المنفعة، فالمنفعة الجارية على اثنين أجرها أكبر من المنفعة القاصرة على واحد، لذا كان السعي في حاجة المسلمين أولى من الاعتكاف في المسجد، فالاعتكاف قاصر في منفعته على واحد بينما السعي في مصالح المسلمين مصلحته ومنفعته شاملة.

يذكر أن هذه المفاضلة في حال وجود تزاحم أما في حال إمكانية الجمع بين الأمرين فالأولى تحصيلهما زيادة في الأجر، والغالب من حال الناس عدم وجود التزاحم، لذا يفضل تحصيل الاعتكاف والسعي في مصالح المسلمين؛ لأن النفس الساعية في منفعة الرعية تحتاج إلى زاد على الطريق حتى  لا تكل ولا تقنط ولا تيأس مما تراه من قبح وسوء، وأفضل طريق لترويض النفس هو الاعتكاف والخلوة مع الله.

أما حجة الفريضة والعمرة الواجبة فتقدم على الصدقة على الابن المحتاج وغيره؛ لأن سعي المرء في إنقاذ نفسه  مقدم على سعيه في إنقاذ غيره، ولأن الحجة الأولى فريضة والعمرة الأولى واجبة أما الصدقة على  الغير إما أن تكون مندوبة أو فرض على الكفاية، وفي الحالتين يقدم عليهما فرض العين.

لذا على الآباء الذين يؤخرون حجة الفريضة والعمرة الواجبة بحجة أنهم يسعون في تجهيز أبنائهم وتحضيرهم للزواج أن يبادروا ويسرعوا في إنقاذ أنفسهم قبل أن يفجأهم الموت.

 

والله تعالى أعلم

المجلس الإسلامي للإفتاء

24/10/2008